بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا العمل اهداء الى سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء والى ابيها وبعلها وبنيها عليهم افضل الصلاة وازكى السلام
والى كل من بحث وفكر و جد واجتهد
وكتب هذه الاسطر
ولكل من شارك في نشر هذه العلوم والمعارف..حتى وصلت ليدي
والى والداي حفظهما الله
والى افراد اسرتي الصغيرة وبالخصوص ربها
والى أحبتي في كل مكان
أساليب الإسلام في التشجيع على الزواج
كتب الاُسرة في المجتمع الإسلامي
يمكن تحديد المنهج الإسلامي في التشجيع على الزواج باعتباره النواة الاُولى لتكوين الاُسرة المسلمة أُسلوبي الترغيب على الزواج والترهيب من تركه الواردين في الكتاب الكريم والسنة المطهّرة.
أولاً : أُسلوب الترغيب :
قال تعالى : ( وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ ) (1).
فهذه الآية تدل على أمرٍ إلهي في التشجيع على الزواج والوعد بتذليل العقبات الاقتصادية التي تعتريه.
كما كشف لنا القرآن الكريم ـ وفي معرض الامتنان على البشرية ـ عن أنّ الزواج آية من آياته الرحمانية التي تعمُّ جميع الناس ، سواء منهم المسلم أو الكافر ، ينعمون من خلاله بالسكينة والاطمئنان في أجواءٍ من المودة والرحمة ، فقال عزَّ من قائل : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (2).
وإذا طالعنا السُنّة المباركة نجد أنَّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضّح لنا الرغبة الالهية للبناء الاسري القائم على أساس الزواج وله صلى الله عليه وآله وسلم : « ما بني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله من التزويج »(3)
وحرص صلى الله عليه وآله وسلم على إبراز المعطيات الإيجابية للزواج تشجيعاً للشباب من أجل الإقدام عليه عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم : « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوج ، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج.. » (4).
وبصرف النظر عما ورد في النقل ـ من آيات وروايات ـ بخصوص الترغيب في الزواج فإن العقل يحكم بضرورته لكونه السبب المباشر وراء تشكيل أول خلية اجتماعية ، هي الأسرة ، التي ترفد المجتمع بأفراد صالحين يسهمون في بنائه وتطويره وفق أُسس سليمة بعيدة عن أسباب الانحراف والابتذال.
ومن هذه الجهة يكشف لنا الإمام الرضا عليه السلام ضرورة الزواج الاجتماعية يستقل بادراكها العقل بغض النظر عن الشرع ، فيقول عليه السلام : « لو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة منزلة ولا سُنَّة متبعة ، لكان فيما جعل لله فيها من برّ القريب وتآلف البعيد ما رغب فيه العاقل اللبيب ، وسارع إليه الموفق المصيب... »(5).
كما أنَّ الزواج من السنن الاجتماعية التي لم تزل دائرة في تاريخ النوع الإنساني إلى هذا اليوم ، وهو دليل على كونه سنة فطرية حافظت على بقاء النوع الإنساني ؛ ذلك لأن الأنواع تبقى ببقاء نسلها ، ناهيك عن أنّ الذكر والاُنثى مجهزان بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد.. وكلاهما في ابتغاء ذلك شرع سواء ، وإن زيدت الاُنثى بجهاز الارضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد ، وقد أودع تعالى كلا الجنسين غرائز انسانية تنعطف إلى محبة الأولاد ورعايتهم ، وتنقضي بكون كلّ منهما مسكناً للآخر ، وبلزوم تأسيس البيت ، إذن فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويفسد الأنساب أول ما تبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح (6).
وممّا يدل على أن الزواج أمر فطري سول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من أحبّ فطرتي ، فليستنَّ بسنتي ، ومن سنتي التزويج » (7).
وعليه فالزواج يقف سداً منيعاً يحول دون الانحراف الجنسي ، وهو من أفضل الوسائل الوقائية التي تحصن الناس من الانزلاق إلى هاوية الرذيلة ، وبالتالي الوقوع في الفتنة.
روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد إنّ ربّك يُقرؤك السلام ويقول : إنَّ الأبكار من النّساء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلاّ اجتنائه ، وإلاّ أفسدته الشمس، وغيرته الرّيح ، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النّساء فلا دواء لهن إلاّ البعول ، وإلاّ لم يؤمن عليهن الفتنة ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر ، فجمع الناس، ثمّ أعلمهم ما أمر الله عزَّ وجلَّ به » (8).
ولم يكتف الإسلام بتشجيع الشباب من الجنسين على الزواج ، بل دعا المسلمين إلى تحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون ومد يد العون لكلِّ من تضيق يده عن تهيئة الوسائل اللازمة للزواج ، ووعد كل من يساهم في هذا العمل الخيري بالثواب الجزيل ، وثمة شواهد نقلية على هذا التوجه ، منها.
قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « ... ومن زوَّجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها، آنسه الله في قبره بصورة أحبّ أهله إليه » (9) وقال حفيده الإمام الكاظم عليه السلام : « ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلَّ إلاّ ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو خدمه أو كتم له سراً » (10).
وفي هذا الإطارة ملحة لتوسيع المشاركة الاجتماعية في هذه القضية الحيوية دفع المسلمين للقيام بدور الوساطة بين الشباب المؤهلين للزواج وفتح قنوات الاتصال والتعارف بين عوائلهم وكذلك مدّ جسور الفهم والتفاهم بين العروسين ، وهي أمور لابدّ منها حتى يكون الزواج عن قناعة ورضا وطيب نفس ، وعلى نحو مدروس ، وليس قراراً ارتجالياً قد تترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها.
ثم إنّ الوسيط أو الشفيع يساهم مساهمة فعّالة في تذليل الصعوبات ورفع الموانع والعقبات التي تعترض الجانبين ، ومن أشاد أمير المؤمنين عليه السلام بدور الشفيع أو الوسيط فقال : « أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح ، حتى يجمع شملهما » (11).
المعطيات الإيجابية للزواج :
ومن ضمن أُسلوب «الترغيب» نجد من خلال نظرتنا الفاحصة للنصوص أنّ الإسلام يبرز ـ بوضوح ـ المعطيات الإيجابية للزواج ، ويمكن تبويبها في النقاط التالية :
1 ـ الدخول في ولاية الله :
فلاشك أنّ من أقدم من الشباب على الزواج أو من قدّم خدمة في هذا الشأن ، امتثالاً لأمر الله تعالى ، ورغبة في رضاه ، سوف يدخله الله تعالى في ولايته ، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله » (12).
ويفهم من ذلك بالدلالة الالتزامية أن من يُحجم عن الزواج بدون سبب شرعي ، أو من يضع العراقيل في هذا السبيل ، فسوف يكون أقرب إلى ولاية الشيطان. ولعل ذلك ما يفسر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما شاب تزوج في حداثة سنّه عجّ شيطانه : يا ويله ! عَصَمَ مني دينه » (13).
2 ـ امتثال سُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
وهي سُنَّة هادية راشدة تدفع من عمل بها نحو الصلاح ، وتؤدي إلى الفوز والفلاح ، وقد تجسدت بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العديدة ، التي حث فيها الشباب على نبذ حياة العزوبية ، كما جسدت في أفعاله ، فقد تزوج مرات عديدة ، وزوج بناته أيضاً ، كما تمثلت في تقريره ، فلم يكتف بالسكوت عمن يتزوجون ، بل كان يسأل أصحابه ومن يحيط به عن أخبار الزواج ، فيبارك لمن تزوج منهم ويدعو له ، كما ويسأل العزاب منهم عن سبب عزوفهم عن الزواج ، و يحاول حل مشاكلهم ويشفع أو يتوسط لتسهيلها ، وقد زوج « جويبر» مع فقره المدقع من « الزلفاء » مع ما هي فيه من الجاه والثراء.
فالزواج ـ إذن ـ اضافة إلى أنّه آية ربانية فهو سنّة نبوية يتوجب اتباعها ، والعمل بها ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني... » (14).
وانطلاقاً من هذا التوجه النبوي ، قال أميرالمؤمنين عليه السلام موصياً : « تزوجوا ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ماكان يقول : من كان يحبُّ أن يتّبع سنّتي فليتزوج ، فإنَّ من سنّتي التزويج » (15).
3 ـ إكتساب الفضيلة العالية :
فالمتزوج أفضل عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الأعزب درجةً ، وأجزل ثواباً ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « المتزوج النائم افضل عند اللهم من الصائم القائم العزب » (16).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « ركعتان يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب » (17).
وعن أبي الحسن عليه السلام قال : « جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له : هل لك من زوجة ؟ قال : لا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لا أحب أن لي الدنيا وما فيها وأن أبيت ليلة وليس لي زوجة ، ثم قال : إن ركعتين يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره » (18).
ولعلَّ الوجه في هذا التفاضل أنّ الأعزب يكون عرضة لضغط الغريزة الجنسية فيشغل الجنس حيزاً كبيراً من تفكيره ويكون محوراً لاهتمامه ، الأمر الذي ينعكس ـ سلباً ـ على عبادته ، التي تكتسب فضيلتها وكمالها من التوجه الكلي نحو المعبود ، والابتعاد عمّا سواه.
وهناك من تضيق عدسة الرؤية لديه أو يفهم الدين فهماً قاصرا ، فيرى أنّ الرهبانية تكسب الإنسان فضلاً وكمالاً ، كما هو الحال عند بعض النصارى وأهل التصوف ، ولكن أهل البيت عليهم السلام يرفضون هذا الفهم القاصر ، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام : « إنَّ امرأة سألت أبا جعفر عليه السلام فقالت : أصلحك الله إنّي متبتلة، فقال لها : وما التبتل عندك ؟ قالت : لا أريد التزويج أبداً ، قال : ولِمَ ؟ قالت : ألتمس في ذلك الفضل ، فقال : انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليها السلام أحقُّ به منك ، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل » (19).
4 ـ الطهارة المعنوية :
فممّا لا ريب فيه أنّ الزواج عامل مساعد على التطهّر من الآثام كالزنا واللواط وسائر أشكال الانحراف عن الطريق المستقيم ، ومن أجل ذلك قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من سرّه أن يلقى الله طاهراً مطهّراً ، فليلقه بزوجة صالحة » (20).
فالزواج هو الطريق الطبيعي لرفد الاُمة بعناصر شابة ، تجدد حيويتها ، وتقوم على أكتافهم نهضتها وصيرورة تقدمها ، ولذلك نلاحظ أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أفصح أكثر من مرّة عن رغبته في كثرة أفراد أمته ، ومن ذلك قوله : « تناكحوا تكاثروا فإنّي أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة حتى بالسقط » (21).
5 ـ زيادة الرزق وحسن الخلق :
لقد طمئن الله تعالى الذين يخشون الدخول في عش الزوجية خوفاً من الفقر وما يوجبه من النفقة ، قائلا : (وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ ) (22).
( وهو وعد جميل بالغنى وسعة الرزق ، وقد أكّده بقوله ( واللهُ واسعٌ عليمٌ ) والرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشيئة من الله سبحانه ) (23).
وفي حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ما يقشع غيوم الهموم التي تتراكم في النفوس خوفاً من أعباء الزواج ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : « التمسوا الرزق بالنكاح » وأيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوَّجوا النساء ، فإنهنَّ يأتين بالمال » (24).
وفي حديث ثالث يكشف لنا فيه عن معطيات اُخرى معنوية للزواج إضافة إلى المادية عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم : « زوّجوا أياماكم (25) فإنَّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم » (26).
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزَّ وجلَّ » (27) إنطلاقاً من الآية المتقدمة التي تتضمن وعداً جميلاً بالمدد والمعونة.
ثانياً : أُسلوب الترهيب :
وبالاضافة إلى أُسلوب « الترغيب » الذي أشرنا إليه ، فقد اتّبع الإسلام أُسلوب التنفير من العزوبة والتحذير من عواقبها ، من أجل كسر أسوار العزلة ، وقطع الطريق على الذين يخلعون حزام العفة ، ويريدون التنصّل من المسؤولية الاجتماعية ، فالملاحظ أنه يشنّ على هؤلاء حملات شديدة ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : شراركم عزّابكم ، وأراذل موتاكم عزّابكم (28).
فالامتناع عن الزواج بلا عذر صحيح مذموم ومكروه ، ويجعل الفرد في زمرة المذنبين ، ويقرّبه من دائرة الشيطان ، إذ لا ربانية في الإسلام كما هو معلوم ، ومن الشواهد على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سأل رجلاً اسمه عكّاف : « ألك زوجة ؟ قال : لا يا رسول الله ، قال : ألك جارية ؟ قال : لا يارسول الله ؟
قال : أفأنت موسر ؟ قال : نعم. قال : تزوّج وإلاّ فأنت من المذنبين ». وفي رواية « تزوّج وإلاّ فأنت من إخوان الشياطين » (29).
ولقد بلغ الترهيب والتحذير لمثل هؤلاء الممتنعين عن التزويج مخافة العيلة إلى أقصى حدوده حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منّا » (30).
ــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النور : 24 | 32.
2) سورة الروم : 30 | 21.
3) مكارم الأخلاق | الطبرسي : 196.
4) مكارم الأخلاق : 197.
5) مكارم الأخلاق : 206.
6) تفسير الميزان | العلاّمة الطباطبائي 4 : 312 ـ 313.
7) مكارم الأخلاق : 197.
8) وسائل الشيعة 14 : 39 كتاب النكاح.
9) ثواب الأعمال ، للصدوق : 175 ـ 176.
10) الخصال | الصدوق 1 : 141 باب الثلاثة.
11) مكارم الأخلاق | الطبرسي : 196.
12) المحجة البيضاء | الكاشاني 3 : 54 مؤسسة الأعلمي ط2.
13) كنز العمال 16 : 276 | 44441.
14) جامع الأخبار : 271 | 737 ، كنز العمال 16 : 271 | 44407.
15) تحف العقول : 105.
16) جامع الأخبار : 272 | 741.
17) ثواب الاعمال : 62.
18) مكارم الأخلاق : 197.
19) أمالي الطوسي 1 : 380. وبحار الأنوار 103 : 219.
20) مكارم الأخلاق : 197.
21) المحجة البيضاء 3 : 53.
22) سورة النور : 24 | 32.
23) تفسير الميزان 5 : 113.
24) مكارم الأخلاق : 196.
25) الأيامى : جمع أيّم ، وهو الذكر الذي لا اُنثى معه والاُنثى التي لا ذكر معها ، تفسير الميزان 5 : 112 ـ 113.
26) نوادر الراوندي : 36 ، بحار الأنوار 103 : 222.
27) مكارم الأخلاق : 197.
28) كنز العمال 16 : 277 | 44449.
29) جامع الأخبار : 272 | 743.
30) كنز العمال 16 : 279 | 44460.
البساطة في المهر والصداق
كتب مركز الرسالة
ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.
والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل باعطائه لها على الوجه الأكمل ، وفق قوله تعالى : ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة.. ) (1) ، فإنّه يحث النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلى عدم التعسف عند استيفائه.
إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرَّغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها.. » (2) وقال أيضاً : « أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » (3).
وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها... ».
وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : « من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها » (4).
ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » (5).
جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب على المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة » (6).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة » (7).
وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلى أن الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : ( إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، وأوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام ) (8).
والظاهر أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها السلام ، فعن جابر الانصاري قال : ( لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه ) (9).
وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهى المرونة إذ إنّه لم يجعل مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها السلام واجباً على الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما على الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحث على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.
____________
1) سورة النساء : 4 | 4 ، وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدل على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وان كان كبيراً ، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتبة على غصب مهور النساء ، منه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة : قتل البهيمة ، وحبس مهر المرأة ، ومنع الأجير أجره وقوله عليه السلام : من تزوج امرأة ولم ينوِ أن يوفيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق : 207 و 237.
2) كنز العمال 16 : 322 | 44721.
ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.
والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل باعطائه لها على الوجه الأكمل ، وفق قوله تعالى : ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة.. ) (1) ، فإنّه يحث النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلى عدم التعسف عند استيفائه.
إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرَّغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها.. » (2) وقال أيضاً : « أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » (3).
وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها... ».
وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : « من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها » (4).
ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » (5).
جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب على المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة » (6).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة » (7).
وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلى أن الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : ( إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، وأوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام ) (8).
والظاهر أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها السلام ، فعن جابر الانصاري قال : ( لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه ) (9).
وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهى المرونة إذ إنّه لم يجعل مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها السلام واجباً على الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما على الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحث على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.
____________
1) سورة النساء : 4 | 4 ، وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدل على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وان كان كبيراً ، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتبة على غصب مهور النساء ، منه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة : قتل البهيمة ، وحبس مهر المرأة ، ومنع الأجير أجره وقوله عليه السلام : من تزوج امرأة ولم ينوِ أن يوفيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق : 207 و 237.
2) كنز العمال 16 : 322 | 44721.
3) مكارم الأخلاق : 198.
4) مكارم الأخلاق : 198.
5) المصدر السابق : 237.
6) كنز العمال 16 : 324 | 44731.
7) مكارم الأخلاق : 237.
8) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 1 : 162 ـ 163 دار التعارف ط 1400 هـ.
9) مكارم الأخلاق : 208.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا العمل اهداء الى سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء والى ابيها وبعلها وبنيها عليهم افضل الصلاة وازكى السلام
والى كل من بحث وفكر و جد واجتهد
وكتب هذه الاسطر
ولكل من شارك في نشر هذه العلوم والمعارف..حتى وصلت ليدي
والى والداي حفظهما الله
والى افراد اسرتي الصغيرة وبالخصوص ربها
والى أحبتي في كل مكان
أساليب الإسلام في التشجيع على الزواج
كتب الاُسرة في المجتمع الإسلامي
يمكن تحديد المنهج الإسلامي في التشجيع على الزواج باعتباره النواة الاُولى لتكوين الاُسرة المسلمة أُسلوبي الترغيب على الزواج والترهيب من تركه الواردين في الكتاب الكريم والسنة المطهّرة.
أولاً : أُسلوب الترغيب :
قال تعالى : ( وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ ) (1).
فهذه الآية تدل على أمرٍ إلهي في التشجيع على الزواج والوعد بتذليل العقبات الاقتصادية التي تعتريه.
كما كشف لنا القرآن الكريم ـ وفي معرض الامتنان على البشرية ـ عن أنّ الزواج آية من آياته الرحمانية التي تعمُّ جميع الناس ، سواء منهم المسلم أو الكافر ، ينعمون من خلاله بالسكينة والاطمئنان في أجواءٍ من المودة والرحمة ، فقال عزَّ من قائل : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (2).
وإذا طالعنا السُنّة المباركة نجد أنَّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضّح لنا الرغبة الالهية للبناء الاسري القائم على أساس الزواج وله صلى الله عليه وآله وسلم : « ما بني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله من التزويج »(3)
وحرص صلى الله عليه وآله وسلم على إبراز المعطيات الإيجابية للزواج تشجيعاً للشباب من أجل الإقدام عليه عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم : « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوج ، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج.. » (4).
وبصرف النظر عما ورد في النقل ـ من آيات وروايات ـ بخصوص الترغيب في الزواج فإن العقل يحكم بضرورته لكونه السبب المباشر وراء تشكيل أول خلية اجتماعية ، هي الأسرة ، التي ترفد المجتمع بأفراد صالحين يسهمون في بنائه وتطويره وفق أُسس سليمة بعيدة عن أسباب الانحراف والابتذال.
ومن هذه الجهة يكشف لنا الإمام الرضا عليه السلام ضرورة الزواج الاجتماعية يستقل بادراكها العقل بغض النظر عن الشرع ، فيقول عليه السلام : « لو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة منزلة ولا سُنَّة متبعة ، لكان فيما جعل لله فيها من برّ القريب وتآلف البعيد ما رغب فيه العاقل اللبيب ، وسارع إليه الموفق المصيب... »(5).
كما أنَّ الزواج من السنن الاجتماعية التي لم تزل دائرة في تاريخ النوع الإنساني إلى هذا اليوم ، وهو دليل على كونه سنة فطرية حافظت على بقاء النوع الإنساني ؛ ذلك لأن الأنواع تبقى ببقاء نسلها ، ناهيك عن أنّ الذكر والاُنثى مجهزان بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد.. وكلاهما في ابتغاء ذلك شرع سواء ، وإن زيدت الاُنثى بجهاز الارضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد ، وقد أودع تعالى كلا الجنسين غرائز انسانية تنعطف إلى محبة الأولاد ورعايتهم ، وتنقضي بكون كلّ منهما مسكناً للآخر ، وبلزوم تأسيس البيت ، إذن فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويفسد الأنساب أول ما تبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح (6).
وممّا يدل على أن الزواج أمر فطري سول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من أحبّ فطرتي ، فليستنَّ بسنتي ، ومن سنتي التزويج » (7).
وعليه فالزواج يقف سداً منيعاً يحول دون الانحراف الجنسي ، وهو من أفضل الوسائل الوقائية التي تحصن الناس من الانزلاق إلى هاوية الرذيلة ، وبالتالي الوقوع في الفتنة.
روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد إنّ ربّك يُقرؤك السلام ويقول : إنَّ الأبكار من النّساء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلاّ اجتنائه ، وإلاّ أفسدته الشمس، وغيرته الرّيح ، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النّساء فلا دواء لهن إلاّ البعول ، وإلاّ لم يؤمن عليهن الفتنة ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر ، فجمع الناس، ثمّ أعلمهم ما أمر الله عزَّ وجلَّ به » (8).
ولم يكتف الإسلام بتشجيع الشباب من الجنسين على الزواج ، بل دعا المسلمين إلى تحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون ومد يد العون لكلِّ من تضيق يده عن تهيئة الوسائل اللازمة للزواج ، ووعد كل من يساهم في هذا العمل الخيري بالثواب الجزيل ، وثمة شواهد نقلية على هذا التوجه ، منها.
قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « ... ومن زوَّجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها، آنسه الله في قبره بصورة أحبّ أهله إليه » (9) وقال حفيده الإمام الكاظم عليه السلام : « ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلَّ إلاّ ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو خدمه أو كتم له سراً » (10).
وفي هذا الإطارة ملحة لتوسيع المشاركة الاجتماعية في هذه القضية الحيوية دفع المسلمين للقيام بدور الوساطة بين الشباب المؤهلين للزواج وفتح قنوات الاتصال والتعارف بين عوائلهم وكذلك مدّ جسور الفهم والتفاهم بين العروسين ، وهي أمور لابدّ منها حتى يكون الزواج عن قناعة ورضا وطيب نفس ، وعلى نحو مدروس ، وليس قراراً ارتجالياً قد تترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها.
ثم إنّ الوسيط أو الشفيع يساهم مساهمة فعّالة في تذليل الصعوبات ورفع الموانع والعقبات التي تعترض الجانبين ، ومن أشاد أمير المؤمنين عليه السلام بدور الشفيع أو الوسيط فقال : « أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح ، حتى يجمع شملهما » (11).
المعطيات الإيجابية للزواج :
ومن ضمن أُسلوب «الترغيب» نجد من خلال نظرتنا الفاحصة للنصوص أنّ الإسلام يبرز ـ بوضوح ـ المعطيات الإيجابية للزواج ، ويمكن تبويبها في النقاط التالية :
1 ـ الدخول في ولاية الله :
فلاشك أنّ من أقدم من الشباب على الزواج أو من قدّم خدمة في هذا الشأن ، امتثالاً لأمر الله تعالى ، ورغبة في رضاه ، سوف يدخله الله تعالى في ولايته ، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله » (12).
ويفهم من ذلك بالدلالة الالتزامية أن من يُحجم عن الزواج بدون سبب شرعي ، أو من يضع العراقيل في هذا السبيل ، فسوف يكون أقرب إلى ولاية الشيطان. ولعل ذلك ما يفسر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما شاب تزوج في حداثة سنّه عجّ شيطانه : يا ويله ! عَصَمَ مني دينه » (13).
2 ـ امتثال سُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
وهي سُنَّة هادية راشدة تدفع من عمل بها نحو الصلاح ، وتؤدي إلى الفوز والفلاح ، وقد تجسدت بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العديدة ، التي حث فيها الشباب على نبذ حياة العزوبية ، كما جسدت في أفعاله ، فقد تزوج مرات عديدة ، وزوج بناته أيضاً ، كما تمثلت في تقريره ، فلم يكتف بالسكوت عمن يتزوجون ، بل كان يسأل أصحابه ومن يحيط به عن أخبار الزواج ، فيبارك لمن تزوج منهم ويدعو له ، كما ويسأل العزاب منهم عن سبب عزوفهم عن الزواج ، و يحاول حل مشاكلهم ويشفع أو يتوسط لتسهيلها ، وقد زوج « جويبر» مع فقره المدقع من « الزلفاء » مع ما هي فيه من الجاه والثراء.
فالزواج ـ إذن ـ اضافة إلى أنّه آية ربانية فهو سنّة نبوية يتوجب اتباعها ، والعمل بها ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني... » (14).
وانطلاقاً من هذا التوجه النبوي ، قال أميرالمؤمنين عليه السلام موصياً : « تزوجوا ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ماكان يقول : من كان يحبُّ أن يتّبع سنّتي فليتزوج ، فإنَّ من سنّتي التزويج » (15).
3 ـ إكتساب الفضيلة العالية :
فالمتزوج أفضل عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الأعزب درجةً ، وأجزل ثواباً ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « المتزوج النائم افضل عند اللهم من الصائم القائم العزب » (16).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « ركعتان يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب » (17).
وعن أبي الحسن عليه السلام قال : « جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له : هل لك من زوجة ؟ قال : لا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لا أحب أن لي الدنيا وما فيها وأن أبيت ليلة وليس لي زوجة ، ثم قال : إن ركعتين يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره » (18).
ولعلَّ الوجه في هذا التفاضل أنّ الأعزب يكون عرضة لضغط الغريزة الجنسية فيشغل الجنس حيزاً كبيراً من تفكيره ويكون محوراً لاهتمامه ، الأمر الذي ينعكس ـ سلباً ـ على عبادته ، التي تكتسب فضيلتها وكمالها من التوجه الكلي نحو المعبود ، والابتعاد عمّا سواه.
وهناك من تضيق عدسة الرؤية لديه أو يفهم الدين فهماً قاصرا ، فيرى أنّ الرهبانية تكسب الإنسان فضلاً وكمالاً ، كما هو الحال عند بعض النصارى وأهل التصوف ، ولكن أهل البيت عليهم السلام يرفضون هذا الفهم القاصر ، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام : « إنَّ امرأة سألت أبا جعفر عليه السلام فقالت : أصلحك الله إنّي متبتلة، فقال لها : وما التبتل عندك ؟ قالت : لا أريد التزويج أبداً ، قال : ولِمَ ؟ قالت : ألتمس في ذلك الفضل ، فقال : انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليها السلام أحقُّ به منك ، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل » (19).
4 ـ الطهارة المعنوية :
فممّا لا ريب فيه أنّ الزواج عامل مساعد على التطهّر من الآثام كالزنا واللواط وسائر أشكال الانحراف عن الطريق المستقيم ، ومن أجل ذلك قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من سرّه أن يلقى الله طاهراً مطهّراً ، فليلقه بزوجة صالحة » (20).
فالزواج هو الطريق الطبيعي لرفد الاُمة بعناصر شابة ، تجدد حيويتها ، وتقوم على أكتافهم نهضتها وصيرورة تقدمها ، ولذلك نلاحظ أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أفصح أكثر من مرّة عن رغبته في كثرة أفراد أمته ، ومن ذلك قوله : « تناكحوا تكاثروا فإنّي أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة حتى بالسقط » (21).
5 ـ زيادة الرزق وحسن الخلق :
لقد طمئن الله تعالى الذين يخشون الدخول في عش الزوجية خوفاً من الفقر وما يوجبه من النفقة ، قائلا : (وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ ) (22).
( وهو وعد جميل بالغنى وسعة الرزق ، وقد أكّده بقوله ( واللهُ واسعٌ عليمٌ ) والرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشيئة من الله سبحانه ) (23).
وفي حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ما يقشع غيوم الهموم التي تتراكم في النفوس خوفاً من أعباء الزواج ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : « التمسوا الرزق بالنكاح » وأيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوَّجوا النساء ، فإنهنَّ يأتين بالمال » (24).
وفي حديث ثالث يكشف لنا فيه عن معطيات اُخرى معنوية للزواج إضافة إلى المادية عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم : « زوّجوا أياماكم (25) فإنَّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم » (26).
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزَّ وجلَّ » (27) إنطلاقاً من الآية المتقدمة التي تتضمن وعداً جميلاً بالمدد والمعونة.
ثانياً : أُسلوب الترهيب :
وبالاضافة إلى أُسلوب « الترغيب » الذي أشرنا إليه ، فقد اتّبع الإسلام أُسلوب التنفير من العزوبة والتحذير من عواقبها ، من أجل كسر أسوار العزلة ، وقطع الطريق على الذين يخلعون حزام العفة ، ويريدون التنصّل من المسؤولية الاجتماعية ، فالملاحظ أنه يشنّ على هؤلاء حملات شديدة ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : شراركم عزّابكم ، وأراذل موتاكم عزّابكم (28).
فالامتناع عن الزواج بلا عذر صحيح مذموم ومكروه ، ويجعل الفرد في زمرة المذنبين ، ويقرّبه من دائرة الشيطان ، إذ لا ربانية في الإسلام كما هو معلوم ، ومن الشواهد على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سأل رجلاً اسمه عكّاف : « ألك زوجة ؟ قال : لا يا رسول الله ، قال : ألك جارية ؟ قال : لا يارسول الله ؟
قال : أفأنت موسر ؟ قال : نعم. قال : تزوّج وإلاّ فأنت من المذنبين ». وفي رواية « تزوّج وإلاّ فأنت من إخوان الشياطين » (29).
ولقد بلغ الترهيب والتحذير لمثل هؤلاء الممتنعين عن التزويج مخافة العيلة إلى أقصى حدوده حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منّا » (30).
ــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النور : 24 | 32.
2) سورة الروم : 30 | 21.
3) مكارم الأخلاق | الطبرسي : 196.
4) مكارم الأخلاق : 197.
5) مكارم الأخلاق : 206.
6) تفسير الميزان | العلاّمة الطباطبائي 4 : 312 ـ 313.
7) مكارم الأخلاق : 197.
8) وسائل الشيعة 14 : 39 كتاب النكاح.
9) ثواب الأعمال ، للصدوق : 175 ـ 176.
10) الخصال | الصدوق 1 : 141 باب الثلاثة.
11) مكارم الأخلاق | الطبرسي : 196.
12) المحجة البيضاء | الكاشاني 3 : 54 مؤسسة الأعلمي ط2.
13) كنز العمال 16 : 276 | 44441.
14) جامع الأخبار : 271 | 737 ، كنز العمال 16 : 271 | 44407.
15) تحف العقول : 105.
16) جامع الأخبار : 272 | 741.
17) ثواب الاعمال : 62.
18) مكارم الأخلاق : 197.
19) أمالي الطوسي 1 : 380. وبحار الأنوار 103 : 219.
20) مكارم الأخلاق : 197.
21) المحجة البيضاء 3 : 53.
22) سورة النور : 24 | 32.
23) تفسير الميزان 5 : 113.
24) مكارم الأخلاق : 196.
25) الأيامى : جمع أيّم ، وهو الذكر الذي لا اُنثى معه والاُنثى التي لا ذكر معها ، تفسير الميزان 5 : 112 ـ 113.
26) نوادر الراوندي : 36 ، بحار الأنوار 103 : 222.
27) مكارم الأخلاق : 197.
28) كنز العمال 16 : 277 | 44449.
29) جامع الأخبار : 272 | 743.
30) كنز العمال 16 : 279 | 44460.
البساطة في المهر والصداق
كتب مركز الرسالة
ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.
والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل باعطائه لها على الوجه الأكمل ، وفق قوله تعالى : ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة.. ) (1) ، فإنّه يحث النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلى عدم التعسف عند استيفائه.
إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرَّغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها.. » (2) وقال أيضاً : « أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » (3).
وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها... ».
وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : « من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها » (4).
ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » (5).
جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب على المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة » (6).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة » (7).
وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلى أن الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : ( إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، وأوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام ) (8).
والظاهر أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها السلام ، فعن جابر الانصاري قال : ( لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه ) (9).
وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهى المرونة إذ إنّه لم يجعل مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها السلام واجباً على الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما على الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحث على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.
____________
1) سورة النساء : 4 | 4 ، وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدل على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وان كان كبيراً ، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتبة على غصب مهور النساء ، منه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة : قتل البهيمة ، وحبس مهر المرأة ، ومنع الأجير أجره وقوله عليه السلام : من تزوج امرأة ولم ينوِ أن يوفيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق : 207 و 237.
2) كنز العمال 16 : 322 | 44721.
ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.
والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل باعطائه لها على الوجه الأكمل ، وفق قوله تعالى : ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة.. ) (1) ، فإنّه يحث النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلى عدم التعسف عند استيفائه.
إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرَّغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها.. » (2) وقال أيضاً : « أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » (3).
وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها... ».
وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : « من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها » (4).
ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » (5).
جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب على المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة » (6).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة » (7).
وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلى أن الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : ( إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، وأوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام ) (8).
والظاهر أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها السلام ، فعن جابر الانصاري قال : ( لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه ) (9).
وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهى المرونة إذ إنّه لم يجعل مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها السلام واجباً على الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما على الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحث على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.
____________
1) سورة النساء : 4 | 4 ، وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدل على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وان كان كبيراً ، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتبة على غصب مهور النساء ، منه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة : قتل البهيمة ، وحبس مهر المرأة ، ومنع الأجير أجره وقوله عليه السلام : من تزوج امرأة ولم ينوِ أن يوفيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق : 207 و 237.
2) كنز العمال 16 : 322 | 44721.
3) مكارم الأخلاق : 198.
4) مكارم الأخلاق : 198.
5) المصدر السابق : 237.
6) كنز العمال 16 : 324 | 44731.
7) مكارم الأخلاق : 237.
8) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 1 : 162 ـ 163 دار التعارف ط 1400 هـ.
9) مكارم الأخلاق : 208.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق